هل يمكن أن تغيّر إصابة الدماغ سلوك الإنسان؟
عندما نفكر في إصابة الدماغ، غالبًا ما نتخيل فقدان الذاكرة، الشلل، أو ضعف الإدراك. لكن أحيانًا، التأثير الأعمق يكون على الشخصية والسلوك. واحدة من أشهر القصص في هذا المجال هي قصة العامل الأمريكي فينيس غيج (Phineas Gage) في منتصف القرن التاسع عشر.
الحادثة التي غيّرت علم الأعصاب إلى الأبد
كان غيج يعمل في إنشاء خطوط السكك الحديدية عام 1848، حين انفجرت شحنة بارود بشكل غير متوقع. قضيب معدني ضخم اخترق رأسه، دخل من أسفل خده الأيسر وخرج من أعلى جمجمته، ليستقر بعيدًا بحوالي 25 مترًا.
المفاجأة أن غيج لم يمت، بل ظل واعيًا بعد دقائق من الحادثة، حتى أنه تكلم وسار بنفسه إلى مكان إقامته حيث عالجه الطبيب. لكن إصابته لم تمر مرور الكرام.
التغيرات السلوكية الغريبة
لم يفقد غيج ذكاءه أو قدرته على التفكير، لكنه أصبح شخصًا مختلفًا:
صار فجًا وفظًا في كلامه.
فقد لباقة التعامل مع الآخرين.
أصبح عديم الصبر وسريع الغضب.
لم يعد قادرًا على ضبط نفسه كما كان.
بكلمات أخرى، لم تتأثر قدراته العقلية بقدر ما تغيّرت شخصيته وسلوكه الاجتماعي.
ماذا يخبرنا هذا عن الدماغ؟
إصابة غيج أثّرت بشكل مباشر على الفص الجبهي (Frontal Lobe)، وهو الجزء المسؤول عن:
- التحكم في السلوك.
- اتخاذ القرارات.
- ضبط الانفعالات.
- المهارات الاجتماعية.
هذا الحادث أظهر للعالم لأول مرة أن الشخصية ليست شيئًا غامضًا منفصلًا عن الجسد، بل مرتبطة بوضوح بوظائف الدماغ.
الجانب المدهش: الدماغ يستطيع التعافي
رغم أن غيج أصبح “شخصًا آخر” بعد الحادثة، إلا أن التغييرات لم تستمر للأبد. مع مرور الوقت، بدأ يتأقلم، وسلوكه الاجتماعي تحسّن بشكل ملحوظ. هذه الظاهرة تُظهر قدرة الدماغ على:
- إعادة التنظيم (Neuroplasticity).
- تطوير مسارات بديلة للتعويض عن الأجزاء التالفة.
- الشفاء التدريجي مع التدريب والخبرة.