قمة الدوحة 2025: عندما تحدَّث الصمتُ العربيُّ



كانت الدوحة في سبتمبر 2025 أكثر من مجرد عاصمة تستضيف قمة. كانت نقطةَ التقاءٍ مصيريةً، ومرآةً عكستَ تحدياً غير مسبوقٍ. لم يكن اجتماع الزعماء والقادة في القمة العربية الإسلامية الطارئة مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل كان ردًا ضروريًا على هجوم إسرائيليٍّ غادر استهدف دولةً عربيةً ذات سيادة، في سابقةٍ أرغمت الجميع على إعادة تقييم المسلمات.

تجاوزت القمةُ دورَها التقليدي كمنبرٍ لإصدار البيانات، لتُصبحَ لحظةَ اختبارٍ حقيقيٍّ لمدى تماسك الصفين العربي والإسلامي. هل ستكون هذه القمة مجرد استعراض للقوة، أم بدايةً لتحول استراتيجيٍّ حقيقي؟

البيان: أكثر من مجرد حبرٍ على ورق
لم يكن البيان الختامي مجرد قائمةٍ من الإدانات، بل كان وثيقةً تأسيسيةً لمرحلةٍ جديدةٍ. في بنوده العشرين، كان الصوتُ العربيُّ الإسلاميُّ موحداً في إدانة الهجوم على قطر، مؤكداً أنه ليس اعتداءً على دولةٍ واحدةٍ، بل تهديدٌ لأمن المنطقة برمتها. هذا التأكيدُ على أن أمن الخليج جزءٌ لا يتجزأ من الأمن القومي العربي والإسلامي ليس مجرد شعار، بل هو مبدأٌ استراتيجيٌّ جديدٌ. إنه اعترافٌ بأن التشتتَ لم يعد خياراً، وأن الاستفرادَ بأيِ دولةٍ هو بوابةٌ لاستفرادٍ أكبر.

ورغم غياب القرارات العقابية المباشرة، إلا أن القمةَ وضعت أساسًا لخطواتٍ عمليةٍ. تشكيلُ لجنةِ متابعةٍ سياسيةٍ ودبلوماسيةٍ ليس مجردَ إجراءٍ روتينيٍّ، بل هو إشارةٌ إلى نيةٍ جديةٍ لمتابعة القضية دوليًا، والضغط على مجلس الأمن لوقف العدوان. بالإضافة إلى ذلك، فإن تسريع مشاريع التكامل الاقتصادي وتأمين ممرات الطاقة هو دليلٌ على أن القمةَ أدركت أن القوةَ ليست عسكريةً فقط، بل اقتصاديةً أيضاً.

تداعياتٌ تتجاوز القمة
لم تكن هذه القمة نهاية المطاف، بل بدايةً لمرحلةٍ جديدةٍ من التنسيق العربي. لقد بعثت برسالةِ ردعٍ واضحةٍ إلى إسرائيل، مفادُها أن سياسةَ استهدافِ الدول لن تمرَ مرورَ الكرام، وأن هناك موقفاً عربياً موحداً قد يصبحُ أكثرَ صرامةً في المستقبل. هذه الرسالة، وإن كانت دبلوماسيةً في ظاهرها، إلا أنها تحمل في طياتها تحذيراً من أن التجاوزات قد تُطلق العنان لردود فعلٍ أشد.

كما أن القمةَ وفرت منصةً لمناقشة إعادة رسم التحالفات. في عالمٍ تتغير فيه موازين القوى، وتصعد فيه قوى جديدة كالصين، وتتراجع فيه الأدوار التقليدية، فإن القمةَ كانت فرصةً ذهبيةً للدول العربية للنظر في مصالحها الاستراتيجية بعيداً عن الارتهان لقوى خارجية قد لا تخدم أجنداتها.

من البيان إلى الواقع: التحدي الحقيقي
السؤال الأهم يبقى: هل ستُترجم مخرجات القمة إلى حلٍ حقيقيٍّ؟
القمةُ نجحت في توحيد الصف، لكنها ليست حلاً سحرياً. الحلُّ الشاملُ يتطلبُ:

 * إرادةً دوليةً ضاغطةً لوقف العدوان.
 * تفعيلَ آلياتِ ردعٍ عربيةٍ تتجاوز البيانات الرمزية.
 * مقاربةً استراتيجيةً متكاملةً تشمل القضايا الأساسية للصراع.

القمةُ وضعت الأساسَ، وأرسلت الرسائلَ، لكن الطريقَ لا يزال طويلاً. إنها خطوةٌ أولى في سباق ماراثوني، تتطلبُ متابعةً مستمرةً، وضغطاً دبلوماسياً منسقاً، وربما أدواتٍ اقتصاديةً وسياسيةً أكثر صرامةً إذا استدعت الحاجة.

خلاصة: قمةٌ للأمل أم للتردد؟
في نهاية المطاف، لم تكن القمة العربية الإسلامية في قطر 2025 مجردَ ردِ فعلٍ، بل مؤشراً على نضوجٍ في الموقف العربي والإسلامي، واستعدادٍ للانتقال من حالة التشرذم إلى العمل الجماعي. مخرجاتها كانت سياسيةً ودبلوماسيةً في جوهرها، لكنها وضعت اللبنةَ الأولى لحلولٍ مستقبليةٍ قد تُعيدُ رسم خريطة التحالفات الإقليمية، وتفرض معادلةَ ردعٍ جديدةٍ تحمي المنطقة من مزيدٍ من الفوضى والتصعيد.
هل ستكون هذه القمةُ مجرد وميضٍ عابرٍ، أم بدايةً لفجرٍ جديدٍ من التعاون العربي؟ الإجابةُ تتوقفُ على ما سيأتي بعدها من أفعال، لا أقوال.

المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق