منعطف اقتصادي جديد في السودان: قراءة تحليلية لقرارات لجنة الطوارئ


في ظل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يمر بها السودان، اتخذت الحكومة حزمة قرارات وُصفت بالجريئة والمصيرية، تهدف إلى كبح تدهور سعر صرف الجنيه وتعزيز موارد الدولة. جاءت هذه القرارات عقب اجتماع لجنة الطوارئ الاقتصادية برئاسة رئيس الوزراء د. كامل إدريس، لتضع أمام البلاد مسارًا جديدًا في إدارة الواردات، والذهب، والرقابة على الأسواق.

لكن، هل تمثل هذه القرارات بداية طريق الإصلاح، أم أنها قد تحمل مخاطر جديدة إذا لم تُنفذ بحكمة؟


أهم القرارات المتخذة

  1. منع استيراد البضائع إلا بعد استيفاء كامل الضوابط المصرفية والتجارية.
  2. حصر شراء وتسويق الذهب في جهة حكومية واحدة تلتزم بتوفير النقد الأجنبي للمستوردين.
  3. تفعيل مكافحة التهريب عبر قوات متخصصة وتشريعات جديدة.
  4. اعتبار حيازة الذهب دون مستندات رسمية جريمة تهريب.
  5. إنشاء منصة قومية رقمية لمتابعة حركة الواردات والصادرات.
  6. مراجعة سياسات استيراد السيارات وضبط “الاستيراد عبر الطبالي”.
  7. إلغاء الجبايات غير القانونية التي تفرضها بعض الولايات.
  8. إزالة العقبات أمام الصادرات ودعم انسيابها.

الفوائد المحتملة لهذه القرارات

  1. ضبط الاستيراد والعملة الصعبة:
    إلزام المستوردين بالمرور عبر القنوات المصرفية قد يقلل من الطلب العشوائي على الدولار، ويحد من تهريب العملة الصعبة للخارج.

  2. السيطرة على تجارة الذهب:
    الذهب يُعد أكبر مورد للعملات الأجنبية في السودان، وحصر تسويقه في جهة حكومية يمكن أن يزيد من نصيب الدولة من عائداته، ويقلل من تسربه عبر التهريب.

  3. مكافحة التهريب:
    مع التشديد القانوني والدعم اللوجستي لقوات المكافحة، قد تتمكن الدولة من تقليل الخسائر الكبيرة الناتجة عن تهريب الوقود، القمح، والذهب.

  4. تخفيف الأعباء عن المواطن:
    إلغاء الجبايات غير القانونية في الولايات خطوة مهمة لتقليل الأسعار الداخلية، وتحقيق نوع من العدالة الضريبية.

  5. تعزيز الشفافية:
    المنصة الرقمية لمتابعة الصادرات والواردات يمكن أن تكون نقلة نوعية إذا طُبقت بفعالية، حيث تتيح معلومات دقيقة لصانع القرار وتقلل الفساد.


المساوئ والمخاطر المحتملة

  1. احتكار الذهب:
    حصر شراء الذهب في جهة حكومية واحدة قد يفتح الباب لاحتكار رسمي، ويضعف المنافسة، مما قد يؤدي إلى تسعير غير عادل ويشجع على تهريب جديد خارج النظام.

  2. تراجع في التجارة:
    اشتراط المرور عبر البنوك المحلية، في ظل ضعف النظام المصرفي السوداني وعزلته عن النظام المالي العالمي، قد يبطئ حركة الاستيراد ويخلق ندرة في بعض السلع الأساسية.

  3. تأثير على السوق الموازي:
    إذا لم تتمكن الحكومة من توفير النقد الأجنبي فعليًا، فقد يلجأ المستوردون مجددًا إلى السوق الأسود، مما يفاقم أزمة سعر الصرف.

  4. بيروقراطية جديدة:
    المنصة الرقمية قد تتحول إلى أداة جديدة للتعقيد الإداري إذا لم تُدار بكفاءة وشفافية.

  5. مخاطر على الاستثمار:
    كثرة القيود والمراجعات قد تبعث برسائل سلبية للمستثمرين، وتجعل بيئة الأعمال أقل جاذبية.


بين الأمل والحذر

من الواضح أن القرارات تسعى لوضع حد لفوضى الاقتصاد السوداني، خاصة في ما يتعلق بالذهب والعملة الصعبة. لكنها تحمل جانبًا من المغامرة، إذ تحتاج إلى جهاز دولة قوي ونزيه قادر على التنفيذ.

إذا طُبقت هذه القرارات بحزم وشفافية، يمكن أن تفتح الباب أمام استقرار نقدي نسبي، وزيادة الإيرادات، وتخفيف الضغط على المواطن.
أما إذا اصطدمت بالفساد أو ضعف المؤسسات، فقد تتحول إلى قيود خانقة تزيد من معاناة السوق والمواطن معًا.


الخلاصة والتوصيات

  • ضرورة توفير بدائل عملية: لا يكفي حظر الاستيراد أو حصر الذهب، بل يجب تقوية البنوك السودانية وربطها بالخارج لتأمين الدولار للمستوردين.
  • توازن بين الرقابة والحرية: يجب أن تكون الرقابة على الذهب والتجارة مصحوبة بآليات سوقية تمنع الاحتكار وتتيح المنافسة.
  • مكافحة الفساد أولاً: أي قرار اقتصادي دون إصلاح مؤسسي سيظل هشًا وقابلًا للانهيار.
  • التركيز على الإنتاج: الحل الجذري لأزمة السودان ليس فقط في ضبط السوق، بل في زيادة الإنتاج الزراعي والصناعي ليكون مصدرًا مستدامًا للعملات الصعبة.

🔹 بإيجاز، السودان يقف على مفترق طرق اقتصادي: إما أن تكون هذه القرارات بداية إصلاح جاد، أو تتحول إلى مجرد شعارات جديدة تزيد من قيود السوق. والكرة الآن في ملعب التنفيذ.


المقال التالي المقال السابق
لا تعليقات
إضافة تعليق
رابط التعليق