حين يكون الرقم ستة… أو تسعة… أو حتى أربعة: درس فلسفي في الحقيقة والوهم
في عالمٍ تتصادم فيه الآراء، وتتصارع فيه العقول حول من يمتلك "الحقيقة"، تأتي صورة بسيطة كفيلة بإثارة تساؤلات أعمق من آلاف الصفحات الفلسفية. الصورة تظهر شخصين يقفان على جانبي شكل مرسوم على الأرض: أحدهما يرى الرقم 6، والآخر يراه 9… لكن المفاجأة أن الشكل في الحقيقة ليس ستة ولا تسعة، بل أربعة مائلًا!
هذا المشهد البسيط يلخص مأساة وسخرية الكثير من نقاشاتنا اليومية — سواء في السياسة، الدين، العلم، أو حتى أبسط الخلافات الاجتماعية.
المنظور ليس الحقيقة
من النظرة الأولى، قد نظن أن المغزى هو أن الحقيقة نسبية، وأن كل شخص يرى العالم من زاويته الخاصة، فيكون كلاهما محقًا. وهذا صحيح جزئيًا، فزاوية الرؤية تؤثر على الإدراك، ولكن هذه الصورة تضيف مفاجأة: ليس كل منظور صحيح بالضرورة، وأحيانًا يكون الجميع مخطئين لأنهم يتجادلون حول شيء لم يتحققوا من أصله.
الوهم المشترك
في هذه الحالة، الشخصان انطلقا من افتراض أن الشكل هو رقم واحد صحيح، لكن لم يخطر ببالهما أن أساس الأمر مختلف تمامًا. هذا ما يسميه بعض الفلاسفة "الوهم المشترك" — حين تتفق الأطراف المتنازعة ضمنيًا على إطار خاطئ، وتبني عليه صراعًا طويلًا.
كم من مرة جادلنا حول تفسير حدث، أو معنى نص، أو حقيقة علمية، ثم اكتشفنا لاحقًا أننا جميعًا أخطأنا في قراءة الأساس نفسه؟
البحث عن الأصل قبل الجدل
هذه الصورة تعلمنا درسًا ذهبيًا: قبل أن تدافع عن رأيك بكل شراسة، اسأل نفسك:
- هل تحققت من صحة "الموضوع" الذي نتناقش حوله؟
- هل يمكن أن تكون المشكلة في الإطار أو التعريف الذي انطلقت منه، لا في زاوية النظر فقط؟
الفيلسوف الفرنسي ديكارت كان يقول: "لكي تبحث عن الحقيقة، يجب أن تشك مرة واحدة على الأقل في كل شيء." ولو طبقنا هذا المبدأ، لكان الشخصان في الصورة قد انحنيا قليلًا، وألقيا نظرة أقرب ليدركا أن الشكل ليس ستة ولا تسعة، بل أربعة.
العبرة في حياتنا اليومية
- في السياسة: قد يختلف حزبان على تفسير أزمة، بينما التحليل الصحيح يكشف أن جذور المشكلة في مكان آخر تمامًا.
- في العلاقات: قد يتجادل زوجان حول "سبب" الخلاف، لكن السبب الحقيقي مختلف عما يعتقده كل طرف.
- في العلم: تاريخ المعرفة مليء بحالات تبنى فيها العلماء على فرضيات خاطئة لسنوات قبل اكتشاف الحقيقة.
خاتمة
هذه الصورة ليست مجرد رسم طريف، بل مرآة لعقولنا. أحيانًا، لسنا بحاجة إلى أن نثبت أننا على حق أو أن الآخر مخطئ، بل نحتاج أولًا أن نتأكد أننا جميعًا نتحدث عن الشيء نفسه… وربما نكتشف حينها أن الحقيقة، مثل الرقم في الصورة، كانت شيئًا آخر تمامًا.
الحكمة هنا: لا تقفز للدفاع عن وجهة نظرك قبل أن تتحقق من صحة الأساس الذي تنطلق منه. فقد تجد نفسك، مثل الشخصين في الصورة، تتجادل بحماس حول وهم.