لماذا يبدو أن النرجسي يكرهك بعد أن يتخلى عنك؟

من أصعب التجارب التي يمكن أن يمر بها أي إنسان هي أن يسمع من شريك حياته كلمات مثل: "لا أريد أن أراك مرة أخرى"، خاصة عندما تأتي هذه الكلمات من شخص نرجسي. قد يبدو الأمر غامضاً ومربكاً: كيف يمكن لشخصٍ كنت قد أحببته وشاركت حياتك معه أن يتحول فجأة ليعاملَك وكأنك عدوه؟

1. النرجسي لا يرى فيك إنساناً مستقلاً

النرجسي لا يتعامل معك كشخص له قيمته وكرامته الخاصة، بل كـ أداة لتغذية احتياجاته النفسية. في البداية يراك مثالية، ثم شيئاً فشيئاً، تبدأ "إنسانيتك" في الظهور: أخطاء، عيوب، حدود شخصية. بالنسبة له، هذا يعني أنك لم تكوني "النسخة المثالية" التي أرادها. وهنا يبدأ الازدراء.

2. شعوره بالخديعة

في عقله، يقتنع أن البداية (مرحلة الحب المفرط أو الـ love bombing) كانت "الحقيقة"، وأن أي تغيير بعد ذلك هو خيانة أو خداع من جانبك. لا يفهم أن الحب الحقيقي يعني رؤية الآخر بواقعية، بعيوبه وحسناته. هو يريد الوهم، وعندما ينهار الوهم، يلومك أنتِ.

3. تراكم الغضب والاحتقار

النرجسي يعيش صراعاً داخلياً دائماً:

• يحتاجك بشدة ليشعر أنه ذو قيمة.

• وفي نفس الوقت يحتقرك لأنه يراك ضعيفة لقبولك معاملته.

هذا التناقض يولّد بداخله مشاعر كراهية تتراكم بمرور الوقت، حتى تنفجر عند لحظة "التخلص" (discard).

4. التخلص كوسيلة للسيطرة

النرجسي عندما يتخلى عنك، لا يفعل ذلك كبقية الناس الذين ينهون علاقة مؤلمة باحترام متبادل. بل يستخدم التخلص كسلاح. يريد أن يثبت لك أن: "أنا أتحكم، أنت بلا قيمة."

هو لا يكتفي بالرحيل، بل غالباً يضيف كلمات جارحة ليحطم صورتك عن نفسك.

5. لماذا يبدو وكأنه يكرهك أكثر بعد الانفصال؟

لأن وجودك في حياته يذكّره دوماً بأنه لم يستطع بناء العلاقة المثالية التي يتوهمها. أنتِ بالنسبة له مرآة تكشف نواقصه الداخلية. ولأنه لا يستطيع مواجهة ضعفه، يحاول أن يحطم المرآة — أي يحطمك أنتِ.

6. الحقيقة الأهم: الكراهية ليست عنك، بل عنه هو

الكلمات القاسية، الاتهامات، تحقيرك أو وصفك بأنك "المذنبة" — كلها ليست حقيقتك. إنها انعكاس لجرحه الداخلي، لعجزه عن تحمّل مسؤولية نفسه. هو يرى العالم من منظور مشوّه، ويحتاج أن يجعل الآخرين السبب في ألمه لكي يحمي صورته الهشة عن ذاته.

7. كيف تتعافين من هذه التجربة؟

• تذكري أن الأمر ليس عنك. كراهيته ليست انعكاساً لقيمتك، بل لضعفه.

• لا تبحثي عن إغلاق الباب منه (Closure). النرجسي لن يعطيك كلمة اعتذار أو اعتراف بحقيقتك. السلام الداخلي يأتي منكِ أنتِ.

• أعيدي بناء نفسك بصمت. النرجسي يريد أن يراك مدمرة بعده. أثبتي العكس: أن لديك حياة، كرامة، ومستقبل.

• اطلبي الدعم. سواء من أصدقاء موثوقين أو مختص نفسي، مشاركة الألم تخفف كثيراً.

كلمة أخيرة

إذا قال لك: "لا أريد أن أراك مرة أخرى"، صدّقيه — ليس خوفاً، بل رحمة بنفسك. هذه ليست خسارة، بل تحرر من سجن كان يستهلك روحك. والأجمل؟ سيأتي يوم تبتسمين فيه وتقولين: "الحمد لله أنه خرج من حياتي، فقد أعطاني فرصة لأجد نفسي من جديد."